"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أوقف جهاز المخابرات العامة السوري قبل أيام، ثلاثة لبنانيين في العاصمة دمشق، على خلفية التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة "مار إلياس" شرق المدينة، وأسفر عن استشهاد 25 شخصاً وإصابة أكثر من 63 آخرين، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة السورية.
وعلم "ليبانون ديبايت" من مصادر أمنية لبنانية وأخرى عربية، أن الموقوفين الثلاثة يتحدرون من بلدة عرسال شرقي لبنان، وهم يتواجدون في سوريا منذ فترة ليست بقصيرة، وعلى ما يبدو دخلوا العاصمة السورية في أعقاب انهيار النظام السابق. وأوضحت المصادر أن الثلاثة، وكانوا يتنقلون على متن سيارة "فان" بيضاء اللون، أوقفوا خلال كمين نفذته دورية تابعة لمخابرات وزارة الداخلية السورية.
وبحسب المعلومات، فإن الموقوفين هم: خالد.ع، محمد.أ، وعبدالله.س، ويخضعون حالياً للتحقيق بتهمة الانتماء إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتقديم خدمات لوجستية للمجموعة التي نفذت الهجوم الانتحاري الذي إستهدف الكنيسة، فضلاً عن التورط في التخطيط لهجوم آخر.
وأكدت السلطات السورية أنها حصلت على معلومات تشير إلى نية التنظيم تنفيذ عمليات مماثلة تستهدف ثلاث كنائس على الأقل في محافظة حماة وسط البلاد، ما دفعها إلى إطلاق عمليات أمنية استباقية شملت عدداً من المناطق، أبرزها ضاحيتا حرستا وكفربطنا شرق العاصمة. وأعلنت وزارة الداخلية أن العمليات أدت إلى توقيف متزعم خلية إرهابية وخمسة من معاونيه، إضافة إلى مقتل عنصرين، أحدهما مسؤول عن تسهيل دخول الانتحاري إلى الكنيسة، والثاني كان يجهّز لهجوم إرهابي في أحد أحياء دمشق. كذلك رُصد إرسال وزارة الدفاع السورية تعزيزات أمنية وعسكرية عند الحدود مع لبنان.
لكن هذه الرواية الرسمية، التي تنسب التفجير إلى "داعش"، تواجه تشكيكاً واسعاً، خصوصاً بعد الكشف عن أن الانتحاري كان عنصراً في جهاز الأمن العام السوري التابع لوزارة الداخلية، ومرتبطاً بهيئة تحرير الشام المنحلة، التي كان يتزعمها الرئيس الحالي أحمد الشرع. وتشير المعلومات إلى أن الهيئة شهدت انشقاقاً كبيراً بعد توليها السلطة، قادته مجموعة بقيادة المدعو "أبو عائشة الشامي"، وهو قيادي جهادي متشدد، انشق عن الهيئة بعد اتهامها بـ"التساهل" مع ما وصفه بـ"النصيرية والروافض"، معلناً تأسيس تنظيم جديد يدعى "سرايا أنصار السنة"، ومتوعداً بمقاتلة الشرع وجماعته، علماً أن الجماعة تبنت هجمات إرهابية إستهدفت أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري خلال آذار الماضي.
وعلى الرغم من صدور بيان منسوب إلى تنظيم "داعش" يتبنى الهجوم، إلا أن كثيرين شككوا في صحته. إذ يفتقر إلى اللغة والأدبيات المعتادة للتنظيم، ما أثار شبهات حول احتمال تزويره. وزاد الطين بلة، أن السلطات السورية زعمت أن الانتحاري كان يرتدي زي "الأمن العام" فقط، دون أن يكون منتسباً إليه، في محاولة لنفي انتمائه إلى المؤسسة الرسمية.
ويبدو أن الدولة السورية الجديدة تسعى إلى تحميل "داعش" مسؤولية التفجير بصفته "الحلقة الأضعف" بين التنظيمات الجهادية المنتشرة في سوريا، وذلك لعدة أسباب:
- أولاً، للحصول على دعم ومساعدات دولية بحجة مكافحة الإرهاب.
- ثانياً، لتجنب تسليط الضوء على قدرات التنظيم المنشق "سرايا أنصار السنة".
- ثالثاً، لاحتواء الاحتقان الشعبي ومنع ربط العملية بأجهزة الدولة وتيارها المتطرف.
- رابعاً، وهو الأهم، لتفادي تحول القضية إلى ملف دولي، خصوصاً مع إمكانية تحرك الكنائس الغربية للضغط من أجل ضمانات للمسيحيين، قد تنقلب على الدولة الجديدة.
وفي هذا السياق، قال مصدر أمني عربي لـ"ليبانون ديبايت" إن القيادة السورية تخشى من انقسامات داخلية قد تتخذ طابعاً متطرفاً، وتهدف إلى "تصحيح مسار أحمد الشرع"، الذي تحول، وفقاً له، من شخصية متطرفة إلى من يمثل الإسلام المعتدل. وأشار المصدر إلى أن لدى الأجهزة الأمنية السورية لوائح بأسماء عناصر حاليين وسابقين في "داعش"، تستخدمها لتبرير أي اضطراب أمني عبر إلصاق التهم بهم وتُطلق حملات أمنية تستهدفهم، حتى لو لم يعلن التنظيم صراحةً استهداف الدولة الجديدة.
ورغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات السورية لاحتواء تداعيات التفجير، فإن بعض التصرفات الرسمية زادت من حالة الغضب، مثل امتناع الرئيس السوري أحمد الشرع، في بيانه الرسمي، عن وصف الضحايا بـ"الشهداء"، مفضلاً تسميتهم بـ"الضحايا"، وتجاهل أحد الوزراء الرد على سؤال صحافي حول الأمر ذاته. هذه المواقف أثارت حفيظة الكنيسة الأرثوذكسية، التي تتبع لها كنيسة مار إلياس، حيث عبّر البطريرك يُوحنا العاشر اليازجي عن استيائه، وسط خشية من تكرار الهجمات في ظل رفض الدولة الاعتراف بأي اختراق داخل أجهزتها، أو القيام بعملية "تطهير ذاتي" لإبعاد العناصر المتشددة عن مفاصل القرار.